ارادة الشعب تمثلها الدوله

السبت - 5 - ابريل - 2008 - محمد حسين العيدروس


ربما هو الجهل بالثقافة السياسية الذي يجعل معنى (الدولة) يضيق جداً لدى البعض حتى يصل إلى حصره بشخص أو بضعة أشخاص، وفي أحسن حالات الفهم يتم حصره بالحزب الحاكم.. لذلك كان ذلك الأفق الفكري الضيق مسوغاً لارتكاب الأخطاء والتجاوزات بحق الدستور والقانون والشعب، والتسبب بتعطيل المسيرة التنموية للبلد.
قد يصح حصر مفهوم الدولة في شخص عندما نتكلم عن عهد إمامي، أو ملكي، أو شمولي ديكتاتوري، لكن عندما يجري الحديث عن بلد مثل اليمن اليوم لا بد لنظرتنا للدولة أن تتغير، وتتخذ بعداً أكثر تحضر مما يدور في خلد البعض.. فالدولة أصبحت مؤسسات، وسلطات مختلفة، وقوى سياسية متعددة تتشاطر جميعاً صنع القرار السياسي، ورسم معالم للتوجه الوطني العام للبلد.. فالتشريعات القانونية لم تعد بيد رئىس الجمهورية كما هو الحال لدى الأنظمة الشمولية، بل هناك برلمان مؤلف من ممثلي الشعب المنتخبين من مختلف القوى السياسية!
ومن هنا لم يعد بوسع أحد أن يقول أن الدولة هي الرئىس، أو الحكومة، أو حزب المؤتمر طالما هؤلاء جميعاً لا يمكنهم إبرام اتفاقية واحدة مع أي شركة مالم يوافق عليها الشعب ممثلاً بنوابه.. وبالتالي فإن السياسات التي تنفذها هذه الأطراف تمثل إرادة الشعب.. فالرئيس ينتخبه الشعب، والحكومة يشكلها حزب الأغلبية البرلمانية التي انتخب نوابها الشعب لتصبح الدولة بذلك المعنى هي كل هذه العناصر الصانعة للسياسة اليمنية، ابتداء بالسلطات وانتهاء بالمواطن الناخب الذي منح ثقته لمن شاء في مناخ ديمقراطي مفتوح ويخضع لرقابة مدنية مشددة من مختلف المنظمات والمؤسسات الناشطة في العمل الديمقراطي، والإجراءات الانتخابية..
في ظل المفهوم العصري للدول ذات التجارب الديمقراطية، فإن الشعب هو المالك الشرعي الوحيد لكل شيء داخل الدولة، بدءاً من المدرسة والمركز الصحي والمكتب الحكومي، والسفارة في الخارج، وانتهاءً بملكيته قرار اختيار رئيس الدولة.. وهو الأمر الذي يجعل التجاوز أو الاعتداء على أي من تلك الممتلكات بمثابة عدوان على الشعب، وممتلكاته، وحقوقه الثابتة دستورياً .. وعندما يكون هناك من يبرر للاعتداء ببيان أو تصريح صحافي فإنه حينئذ يضع نفسه في خصومة مع الشعب، لأن المجالس المحلية المنتخبة من الشعب والتي أصبح بيدها قرار إنشاء مدرسة أو مكتب خدمي معين، وتعيين موظفيه هي المخولة دستورياً بتلك المهمة، بينما الآخرون لايمتلكون حقاً دستورياً في إباحة إحراق المدرسة أو الكتب الحكومي الخدمي مهما كانت صفاتهم داخل المجتمع.
إن من أعظم الأخطاء التي ترتكبها بعض القوى السياسية هي أنها تعتقد أن بالإمكان تحديد قرارات الدولة، واختبار سياساتها ببيان حزبي، أو تصريح صحافي، فذلك لا يتفق إطلاقاً مع معايير بناء الدولة الحديثة، لأن لكل دولة قوانين وأنظمة ولوائح تحدد الاختصاصات والصلاحيات، وتسمي الأطراف المسئولة أمام القضاء والبرلمان في حالة الرغبة في المحاسبة إزاء أي تقصير واختلال.. فمجلس النواب عندما يطلب رئىس الحكومة أو أحد الوزراء لمساءلته في قضية ما، فإنه لا ينتظر منه تبرير الاختلال بالقول إنه بناء على رغبة هذا الحزب أو ذاك، أو تجاوباً مع تصريح شخصية سياسية معينة بل ينتظر إجابة في أطر الصلاحيات والاختصاصات الدستورية والقانونية.
للأسف هناك من يتجاهل هذه الحقيقة ويطالب بفتح أبواب الاجتهادات على مصراعيها، والاستجابة الفورية لمطالبه، لاغياً كل الاعتبارات الأخرى.. فهو يريد من الحكومة توفير الأمن، لكنه يدين اعتقالها لأي منتهك للأمن.. هو يريد حماية ممتلكاته وصون حرمة بيته لكن عندما تتعرض للتخريب يدين اعتقال من قام بالتخريب ويصف عمل الدولة بـ«إرهاب سياسي»، ويصدر بيانات يبرئ فيها من شاء ويتهم من شاء من داخل مقره أو بيته، كما لو أنه هو جهة الاختصاص التي تمتلك الأجهزة المسئولة عن رصد مثل هذه الأعمال، والمحاسبة أمام الشعب في حالة تقصيرها في واجبها.
ينبغي أن نعي بأن الدولة لا تبنى بتصريحات، ولا اجتهادات ورجم بالغيب، وإنما خطط وبرامج، وقوانين، ومؤسسات مناط بكل منها أختصاص معين.. فلا يمكن أن يتحقق شيء بدون تضافر جميع عناصر عملية البناء.. ولا يمكن أن يستقيم عمل أي مؤسسة بدون حرص الجميع على أن تشق طريقها بنجاح.. وعلينا قبل كل شيء أن نحترم إرادة شعبنا، ولا نجعل من أنفسنا كياناً أكبر من كيان الدولة فنتحدث بأسماء الملايين في الوقت الذي لم تمنحنا تلك الملايين أكثر من مقعد برلماني أو بضعة مقاعد تمثل بمجملها الأقلية القليلة داخل السلطة التشريعية..
إن ما ينقص البعض هي العلم بمفهوم الدولة، لأن حصرها بشخص أو حزب هو الذي يدفع البعض للغرور وتخيل نفسه أنه أكبر الموجودات في البلد، طالما ينسى أن الشعب هو الأكبر من جميع التكوينات السياسية والمنظمات، والأشخاص، وأن كلمته فوق كل البيانات والتصريحات الحزبية، وأن إرادته هي التي يجب أن تحكم اليمن عبر مؤسساتها وأجهزتها المختلفة التي تمثل بمجموعها كيان الدولة!!إرادة الشعب تمثلها الدولة